كم تمنيت من أعماق قلبي، أن يكون فيديو أحداث العيون ومشاهد سحل "حرائر الصحراء" في الشارع العام يوم 23 مارس الماضي مجرد فبركة من فبركات الإعلام الرقمي، أو فخ إعلامي من فخاخ المصطادين في الماء العكر، وكم استوثقت من مصادر متعددة، وكم تريثت وأمسكت قلمي رغم أن المشاهد المؤلمة جدا هزتني هزا وأدمت فؤادي، وكم انتظرت لعل بعضهم يكذب أو يشكك أو يقول أن هذه المشاهد الفظيعة من جزيرة أخرى غير مغربنا، لكن للأسف قطع بلاغ "بيان الحقيقة" إدارة الأمن الوطني الصادر بتاريخ 29 مارس 2013 في الموضوع شكي باليقين، حين أكد حقيقة الأحداث والوقائع ولم ينفها، بل حاول تبرير ما لا يبرر وتمرير ما لا يمرر.
وقبل الخوض في التحليل والتعليل والتأويل دعوني نؤكد بداية أن لا أحد في المغرب يملك أن ينزع الجنسية المغربية عن أحد، وأن لا أحد يمكن أن يزايد علينا لا في الوطنية ولا في "تمغرابيت"، ولا في حب هذا البلد، ونؤكد أننا لسنا من دعاة التحريض أو الفتنة، وأننا لسنا أيضا من دعاة التشرذم والانفصال في عالم يتجه إلى التوحد والتكتل، فلا حاجة إلى التخوين والافتراء والتهم الجاهزة والمزايدات الفارغة. فالقضية أكبر وأخطر، بل إن صوت العقل والضمير وحب الوطن والتفكير في مصالحه العليا استراتيجيا ومرحليا هو ما ينبغي أن يملي على الجميع أن نكون صرحاء وجريئين في شجب ما وقع والتنديد به ورفضه، فما تعرضت له الصحراويات في مدينة العيون هو فضيحة بكل المقاييس، وجريمة بكل المعايير، وهو قبل هذا وبعده إضرار فظيع بمصالح البلد ومغامرة خطيرة بأمنه واستقراره، خاصة وأنه صار سلوكا ممنهجا وخيارا للدولة وليس أخطاء فردية وانتهاكات معزولة، فمواقع الفيديو ملآى بمشاهد سحل النساء وتعنفيهن في الشارع العام بشكل غير مبرر، وشاهد إن شئت وقفات المعطلين، حركة 20 فبراير، أحداث سيدي إفني، أحداث تازة، وقفات جمعيات حقوق الإنسان، وقفات نساء العدل والإحسان.
ولئن كان ما وقع من سحل للنساء على الملأ وفي الشارع العام هو جريمة فإن السكوت عنه وتجاهله وتهميشه عمدا هو جريمة أكبر ومشاركة ومؤامرة جماعية، وهذا للأسف ما وقع، فجميع المواقع بدون استثناء تجاهلت مشاهد الفيديو -إلا "موقع لكم" مشكورا-، وكل الهيئات السياسية تجاهلت الموضوع ولم تعبر ولو بكلمة شجب واحدة، وكل المنظمات الحقوقية والهيئات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة خرست واختارت الصمت، طبعا أدرك حجم الضغوطات التي تمارس على البعض، وأدرك المصالح والارتباطات التي تحكم البعض الآخر بالمخزن، كما أدرك حساسية الملف السياسية والأمنية، لكن لا شيء يمكن أن يبرر هذا السكوت والصمت القاتلين، خاصة من قبل أناس نصبوا أنفسهم لخدمة قضايا المظلومين والدفاع عن المستضعفين، ولاشيء يمكن أن يبرر ما وقع إلا أن نقر جميعا بأننا نرضى بالاستبداد، وأننا نوافق على وأد جماعي للديمقراطية، وأننا نقبل بهذا التراجع الرهيب عن مكتسبات الشعب المغربي في مجالي حقوق الإنسان والحريات العامة، وأننا نختار الفرجة على هذه المذبحة التي تتعرض لها كرامة المواطن المغربي يوميا.
ولأن الحرية –في اعتقادي- كل لا يتجزأ، وأن الديمقراطية لا انتقائية فيها، وأن الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والقوانين المحلية كلها وضعت لحفظ أمن الإنسان وكرامته وآدميته، فينبغي على كل العقلاء والحكماء أن يتصدوا لهذا الإهذار الهمجي للكرامة الإنسانية، فمن حق الدولة أن تمنع التظاهر أو أن تنظمه أو حتى تتدخل لتفريق التجمعات، ومن حقها أن تقدم كل من يخرق القانون للمحاكمة، لكن ليس بهذا الأسلوب الهمجي وغير القانوني، فالقانون ينبغي أن يحترمه المواطن ورجل السلطة على حد سواء، فليس بالسحل والتعنيف و"الشتيف" واللطم واللكم تفرق التظاهرات، وللأسف هذا ما رأيناه في الشارع العام أما ما يقع في المخافر والأماكن السرية والمغلقة من تحرش واغتصاب وتعذيب فالشهادات ترويه، والله أعلم به.
فمن أجل مصلحة الوطن ينبغي أن ندرك أن الحلول الأمنية والاستئصالية ستؤزم الأوضاع ولن تحلها فالقمع يخرب الإنسان والأوطان، كما ينبغي أن ندرك أيضا أنه بصمت المجتمع المدني والسياسي والإعلامي في مختلف جهات المغرب وعدم شجبه لما وقع في العيون نضر بقضية الصحراء أكثر من خدمتها، فبصمتنا الجماعي يتقوى المعسكر الانفصالي وتكتسب مواقفه ودعاويه قوتها وحجيتها شعبيا ودوليا، لأننا نعطي الانطباع بأننا موافقون جماعيا على ما يقع من تجاوزات وانتهاكات في حق إخواننا، كما أن أجهزة الدولة والحكومة بعدم تعاملها الصارم مع مثل هذه التجاوزات بتوقيف المسؤولين عنها ومحاسبتهم، تعطي النموذج الديمقراطي السيء لإخواننا في الأقاليم الصحراوية وترسخ في الأذهان أن القوات المغربية "قوات احتلال" فعلا، وليست شرطة وجيشا وسلطة في خدمته كمواطن وحفظ حياته وكرامته.
Makal011@yahoo.fr
0 التعليقات:
إرسال تعليق