الخميس، 20 ديسمبر 2012

المثقف الصحراوي والوفاء للشهداء


المثقف الصحراوي والوفاء للشهداء
 

بقلم: المصطفى عبد الدايم



(كثيرون حول السلطة.. قليلون حول الوطن)
غاندي

عندما يلتزم المثقف الصحراوي الصمت، فهل يتعلق الامر بحياد ماكر يتحين الفرصة للانقضاض كتابات قوية تزخر قوة وعنفوانا؟ أم أن رقاب المثقفين قد ناخت تحت هيمنة السياسي الذي كنس الثقافي وسيد النعرات والمال والجهل واسترشد بهم؟
طبعا هناك مسافة كبيرة بين ما اعتبره حيادا ماكرا يشبه بالضبط ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة، وبين الخنوع الذي يجسده تراجع المثقف عن لعب دوره التاريخي وتواريه وراء محترفي السياسة وزمرة الكتبة وليس الكتاب ممن استغلوا الفرص وتبوؤوا عروش مواخير التكسب .

ولكن قد يكون من الأفضل أيضا الحديث عن ارتباك مؤقت للمثقف الصحراوي بين ارتباطه العضوي بحركة تحررية فرضت عليه الالتزام بالنضال الحركي والسياسي الصارم والذوبان في آلة صناعة المواقف الايديولوجية، ما جعله يبتعد عن أدواره الأساسية الأخرى والتي من أهمها اغناء الفكر والثقافة السياسية بالتحليل والاستشراف .

ولاشك أن المثقف الصحراوي واجه معيقا فكريا كبيرا يتمثل في كيفية قراءة هذا الفعل الذي يتناغم فيه الثوري والمؤسساتي وما يعتمل في داخل هذا الفعل من تناقض فالثورة تحمل في طياتها معنى الفوضى والمؤسسات تعني النظام . ان هذا الانحياز الصامت لمناطق الظل وضع المثقف الصحراوي في موقف المتفرج والمتخلي عن مهامه التاريخية بل والمتلقي النبيه لدروس السياسي يجترها بأمان. فهل حان وقت تخلص المثقف الصحراوي من ارباكه الفكري وولوج المساحات الايديولوجية الواضحة وتسليط أضواء العقل على مناطق الابهامات الفكرية والسياسية؟

في اعتقادي الشخصي و(الاعتقاد بمعنى الايمان وليس الظن) أن تنمية الثقافة وقدراتنا التحليلية والمساهمة في الفعل التاريخي بالاصطفاف ايديولوجيا وسياسيا الى جانب شهداء القضية الوطنية .
فما معنى الوفاء للشهداء؟

الوفاء للشهداء هو وقوف أمام كل هذه الفؤوس والمعاول التي تنال من ذاكرتنا بالهدم، والتي مهما كان الألم الذي تسببه لي فانني بهذا الجهر وفاء للشهداء ليس بمقدور أي كان أن يسرق مني الفرح.. الفرح في ترسيخ تحرري من كل تبعية لغير مبادئ ثورة العشرين ماي الخالدة.. والفرح أيضا في رفض شروط من وضعت النتائج الأولية لتضحيات الشهداء والمناضلين الشرفاء تحت أيديهم سلطة ونفوذا بها تتجرأ اليوم على وأد الفكرة وتحريف المسار.

الفكرة كانت الموت من أجل الحرية والكرامة وفق مسار تحرري ثوري يخدم مصالح جميع الصحراويين ودون استثناء على قاعدة الشرعية والاستحقاق والقدرة المتجددة على العطاء دما ومالا وفكرا.

ولأن الفكرة كانت من الخصوبة بحيث فضحت العقم الفكري الذي يعانيه من تتملكهم الرغبة في بلوغ السلطة وترسيم حدود الوصاية وتوزيع الغنائم على ذوي القربى والخدم والتبع.. فقد أصبح لزاما عليهم خيانة الفكرة وذلك بالاستيلاء على كل المنافذ والمداخل والمخارج ودون وجه حق من جهة ومن جهة أخرى تشجيع الخصومات والتنافر وبث روح العداء واذكاء النعرات واغناء البعض على حساب الأكثرية ضمانا للولاءات.. وهكذا تحولت الفكرة من فضاء للتآخي والتآزر والتلاحم والتضامن.. الى مكان مغلق للمكائد والدسائس والخديعة...

هكذا وبدل الوفاء للشهداء.. وللفكرة النبيلة والعظيمة التي استشهدوا من أجلها.. فكرة أنه لابد وبعد كل هذه العقود الضائعة تحت أنواع من الاستعمار أن يتحرر هذا الشعب الصحراوي ويحقق حلمه التاريخي في بناء الدولة الصحراوية المستقلة.. ولن يتحقق هذا الحلم طبعا الا ببناء الذات التي يجب أن نعترف أنها تعاني الآن من ألم جماعي.. يجب أن نعترف أن مجتمعنا الصحراوي يعاني من سيادة حداثة معطوبة.. ويجب أن نعترف أننا نغض الطرف عن تجاوزات خطيرة وخطيرة جدا ومنها أن هذه الثورة فقيرة وفقيرة جدا جدا جدا فمن أين لك هذا يا هذا ويا ذاك.

أقول بدل الوفاء للشهداء واحتضان الفكرة والربط بينها وبين مسارنا في الحياة والمقاومة، اختار من لن أسميهم بأسمائهم ولكن بأفعالهم أليس الانسان نتيجة أفعاله؟ والمقصود أولئك الذين يفرضون حصانة على حقيقة السياسي فيجعلونها فوق كل اعتبار ولا تقبل الاختلاف ويصرون على الولاء السياسي ضامنا للحق في التقاسم.

أن الوفاء للشهداء هو كسر لطوق الانغلاق السياسي الذي يجتهد تحت مسميات مختلفة من أجل محو الذاكرة واغتيال رفيق الامس، وهو وقوف ثابت وبصدر عار أمام كل رصاص الجهل والحقد والكراهية والفراغ والتي لا تطلقها رشاشات العدو فقط .

الوفاء للشهداء في زمن التدافع نحو الامتيازات مغامرة واعية ومفكر فيها من أجل منح الذات فرصة ابداع مصيرها.. ولكن الوفاء للشهداء مغامرة لأن من بين نتائجها المتوقعة في ظل تمجيد الأشخاص وسيادة الولاءات والتمكن ممن يحمي الظهر وينصر الأخ ظالما وظالما دائما ويعتبر نقد المسؤول تجاوزا للخطوط الحمراء.. ومن نتائج هذه المغامرة التي أقبل عليها دون ندم أو أسف استخدامها ذريعة لإعدامي مدنيا ودون محاكمة من طرف من يخافون التحرر من المغلق ومن الواحد ...

الوفاء للشهداء مقاومة علنية لمن يحاولون بشتى الوسائل كتابة تاريخ قاسي ومؤلم يلغي التاريخ الجماعي للشعب الصحراوي ويمحو ذاكرته النضالية .

الوفاء للشهداء تصدي لكل النكرات التي ترتب في الظلام لقاءات توهم بها نفسها أنها على موعد مع التاريخ.. التاريخ الذي كتبه الشهداء والمناضلون الشرفاء في المعتقلات السرية والسجون وفي كل المواقع. وسأستمر في الوفاء للشهداء وليس لمن يقول كان أبي..

وٍسأتخذ في الوقت المناسب ما يجسد أكثر هذا الوفاء الصادق للشهداء، وما يمكن من جعل هذا الرأي جماعيا لأن الحقيقة نصنعها جماعيا ولا نمتلكها بالمفرد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق